تعرَّفْ التدقيقَ اللغويّ، معناه ومجالاتِه

مدونة يعسوب

كم مرّةٍ خطرت لنا فكرةٌ وبدت في عقولنا رائعةً، لكن لم تسعفنا كلماتٌ تعبّر عن روعتها فبدت باهتةً بعد لفظها؟ وكم نخطئ في كتابة نصّ رسالةٍ فتؤدّي معنىً مختلفاً تماماً عمّا قصدناه فندخل في دوّامة شرح وتفسير؟ وحين يكون الأمر مِهْنيّاً فلهذه الأخطاء الصغيرةِ خطورةٌ أكبر، إذ تعطي انطباعاً بقلّة المهنيةِ والدقّة. وكثيراً ما نرى أمثلةً على سوء فهمٍ لجملةٍ أو عبارةٍ ما، نتيجةً لخطأ فيها في نقطة على حرفٍ أو غياب علامة ترقيم واجبةٍ أو خطأ إملائيّ صغير. وكم نرغب بالاطلاع على كتابٍ ما فتخيّبنا ترجمته الركيكة وصياغته الفقيرة باللغة العربية، بل الخطأ في بعض الأحيان!

التدقيق اللغوي

فالأمر أشدّ وأكبر. واختيار اللغة قد يُحدث فوارق جمّةً حين نتحمل مسؤولية تأليف كتابٍ أو نشر مقالة علمية في مجالٍ ما. وهنا دورُ القلم الأحمر في يد مصحّحٍ لغويٍّ ماهرٍ، لصقل أيّ نصٍ وجعله محبباً في قلوب القرّاء.

ما هو التدقيق اللغوي؟

التدقيق اللغوي غالباً هو المحطة الأخيرة لأيّ نصٍ قبل أن يرى النور منشوراً. وهو مراجعة النصّ مراجعةً مفصّلةً، وهو بأبسط أشكاله مراجعة القواعد النَحْوِيّة والإملائية وسلامة المادّة، وكذلك صياغة المحتوى والعبارات، فيقترح المدقق على الكاتب صيغاً بديلةً أفضل وأقرب إلى المعنى المقصود. ويُعرَف التدقيق اللغوي باللغة الإنكليزية بـ Proofreading ويدلّ هذا التعبير حرفياً على كون التدقيق في الأصل قراءة للنصّ، مع إعطاء التقويم النهائيّ له والاتفاق عليه.

الفرق بين التحرير والتدقيق والتصحيح اللغوي.

قد تفصل بعض المراجع أو بعض دور النشر والجهات المهتمة بين عدّة مصطلحات، فقد يمرّ النصّ قبل المدقق اللغويّ على محرّر لغويّ، وهو المعنيّ بتصويب الأخطاء اللغوية من إملائية ونحوية وغيرها، ويكون قادراً على تحرير النص غالباً ويسمّى بالإنكليزية Copy Editor أي معدِّلَ النصّ ومنسّقه. وهو يسبق المدقّق أو المراجع النهائي Proofreader. وقد يسبقه، تبعاً لتوجهات الجهة الناشرة، من يُعنى بمرحلة التعديل الموضوعي وهو Substantive Editor أو من قد يُعرف بالعربيّة باسم المحرر، فهو الذي يبدأ عمله أولاً في إعادة صياغة النصّ وَفقَ سياسات الجهة الناشرة، ويضبط جودة التعابير ولغة النصّ. ثم تلي ذلك المرحلتان السابق ذكرهما أي التصحيح والتدقيق، ويمكن جمعهما معاً تحت وظيفة المدقّق اللغوي، فيصحح بعض الأخطاء اللغوية الباقية ويرسل النصّ إلى النشر. وهذا ما يُقصد به غالباً بالتدقيق اللغوي، أو قد يستعمل اختصاراً في بعض الأحيان للدلالة على كلّ ما سبق.

ماذا يشمل التدقيق اللغويّ عموماً؟

يجمع التدقيق اللغوي في اللغة العربية بين علومها المختلفة، فهو يتطلب تمكناً من نحوها وإملائها وصرفها وبلاغتها، ودرايةً واسعةً بمصطلحات المعاجم والأخطاء الشائعةِ التي قد تقع سهواً. كما يتطلب بالطبع من المدقق أن يكون واسع الاطلاع، قادراً على محاكمة النصّ وتوقع تأثيره في القارئ، وكذلك وهو الأهم، دقّة الملاحظة وشدّة الانتباه إلى التفاصيل.

دور التدقيق اللغويّ في نجاح النصّ

على الرغم من أنّ المدقّقين اللغويين لا يحظون، في كثيرٍ من الأحيان، بالشكر اللازم والاهتمام الكافي، لكن يعود لهم الفضل الأكبر في استساغة النصّ لدى القرّاء وحصوله على قبول ورضى النقّاد. ولولاهم لربما ظلّ نصٌّ يحمل أفكاراً فذّةً طيّ النسيان أو محكوماً عليه كنصّ رديء لا طائل منه. لذا فللتدقيق اللغويّ دورٌ بارز في هذه الأمور:

الحدّ من الغلط والخطأ اللغوي

كما نقولُ دوماً الكمال للّه وحدَه، فمهما كان المرء حريصاً فلا مفرّ من تسلل بعض الأخطاء من قلمه، فعلى الكاتب أن يركز على أمور كثيرة عند صياغته ويوفِّق بين أفكاره وتعابيره. وقد يمرّ أحياناً على خطأٍ ويقرأه بشكل صحيح في ذهنه أو يسهو عنه، فوجود أكثر من شخصٍ يشرفون على تلميع النصّ وجعله كاملاً قدر المستطاع لا تشوبه شائبة، لهو أمرٌ مستحبّ يسهم بشكل كبير في دقّة النصّ اللغوية.

الإقبال على قراءة المؤلَّف وشهرته

تُظهر بعض ملاحظات دور النشر والمهتمين بالبحث في الموضوع أنّ نسب رواج المؤلَفات تزداد بمعدلٍ ملحوظ قد يصل إلى 25 بالمئة من المبيعات عند الاهتمام بالتدقيق اللغوي قبل النشر، ويفسَّر ذلك بأنّ النصّ قد أصبح أقرب إلى فهم الناس وأوضح وأكثر جاذبيّة.

زيادةُ فرصِ نشرِ المفكّرين المبدعين أفكارَهم

إن امتلاك قدرات كموهبةٍ أدبيةٍ وخيال خصب، أو أفكار علمية وثقافة واسعة أمر، وإتقان اللغة والصياغة أمرٌ آخر، فكم من راغبٍ بالكتابة قد أحجم عنها لقلة ثقته بمعرفته اللغوية!

لكن بوجود التدقيق اللغوي يُمكنُ الكاتبَ أن يسترخي وينطلق في إبداعه دون قلق إلى قلّة إلمامه ببعض أمور اللغة. فبإمكانه ببساطة أن يمرر النصّ إلى مدقق لغويّ يثق بقدراته ويترك أمر تصحيح الأخطاء له.

كذلك نشير إلى أنه في كثيرٍ من الأحيان لا تقبل دور النشر نشر أيّ مؤلَفٍ دون مروره على مدقّق لغويّ أو أكثر. وفي بعض البيئات، ولا سيما العلمية الأكاديمية، تخضع رسائل الماجستير والدكتوراه والأبحاث العلمية عموماً إلى معايير أكثر صرامةً بشأن السلامة اللغوية. لذا لا بدّ من موافقة مدقّق لغويّ على البحث قبل أن ينظر إليه نظرةً علمية، إذ تنخفض قيمته العلميّة عند احتوائه على أخطاء لغوية.

ما المجالات التي تتطلب عملاً في التدقيق اللغوي

بالطبع، معظم المنشورات والمؤلَفات اليوم تحتاج إلى تدقيقٍ لغوي، ولا سيما مع انتشار وسائل النشر الرقمية كالمواقع ووسائط التواصل الاجتماعي. وكذلك النصوص العلمية كرسائل الماجستير والدكتوراه ومختلف الأبحاث والأوراق المنشورة. وتؤدي الدقّة اللغوية دوراً لا يقارَن بدورها مع أيّ مجالٍ آخر في صياغة القوانين وكتابة العقود.

ونلاحظ طلباً عالياً على خدمات التدقيق اللغوي اليوم مثلاً لدى أصحاب المواقع والصفحات الرقمية والقائمين على إدارتها، وكذلك الشركات التي تُصدر وثائق باستمرار أو تكون صفحات مواقعها مكتوبة بالعربيّة، وكذلك دور النشر والترجمة.

ولا يقتصر التدقيق على النصوص المكتوبة فقط، بل يتعدّاها إلى المحتوى المنطوق، وهو ما قد يهمّ بشكل رئيسي وسائلَ الإعلام المسموعة والمرئية كالفضائيات ومحطّات الراديو.

ولا ننسَ أهمية اللغة العربية في الموضوعات الدينية، سواء في نشر الفتاوى والإجابات أو في الخطب مثلاً، لذا تُعدُّ أيضاً بيئةً تحتاج إلى التدقيق اللغوي.

خدمات التدقيق اللغويّ الإلكترونية

إذا كنت ترغب في الحصول على خدمات التدقيق اللغوي بجَودة عالية وعناية فائقة بالمحتوى الذي تنتجه، فبإمكانك التحقّق من الخدمات التي نقدمها في موقع يعسوب فنحن نمتلك من الكفاءة والقدرة والمهارة ما يمكّننا من القيام بهذه المهمّة على أكمل وجه.

وبعد أن عرضنا أهمية التدقيق اللغوي وبيّنا معناه ومجالات الحاجة إليه وبعض المصطلحات المتعلّقة به، نرجو منكم قرّاءنا الأعزاء عدم الاستهانة بالصياغة اللغوية والتعابير المستخدمة سواءٌ في محتواكم المنشور أو رسائلكم أو حتى تعاملكم المهنيّ، ونرجو لكم دوماً لغةً سليمةَ لا تشوبها شوائب الأخطاء..

اترك تعليقاً

عبّر عن رأيك