شذرات في جسد ليل

إنها تغادر جسدَك، روحك تخطو على رخام طاهر وإذ تنظر ذات اليمين تتفرق رهطًا يخرج محموماً من كلّ أبواب عمرك.

إنها السادسة، نمل دمي يطرق الأبواب محموماً ليحمل شمسه، جسدي نمل يحملني يتفرّق في الأرض ويطرحني بذرةً خضراء عند السابعة.

حين دخلت قاعة العمر رأيت الناس يضحكون ويكتبون وهم نيام، يضحكون ضحكًا يبلع أعينَهم، لكنّ قلّةً كانوا يمحون ويبكون!

بعد أن نظرت في عينيها الحوراوين على شُقرة، رفعتُ كفّها الصغيرة ونظرتُ: رأيت سرباً من الناس يصعدون جبلاً ينزف نهر دم، ويدخلون الأبدية من مقاصل عديدة، ورأيتني بينهم. لم تكن جميلتي الآسرة سوى خاتمتي، وإذ قبّلت كفّها اختفت. بعدها ابتسمتُ بسمةً لرضيع في القطار على كفّ أمه فابتسم، فبكَيْت..

أولاد عمّ الموت: السفر، العودة إلى البيت، النوم والمعرفة، لكنهم أولاد صامتون لم يتكلم واحدهم يوماً وكانوا بأفعالهم يذكّرون طوال الوقت، إلّا المعرفة لم تكن سوى نُطْقٍ بنُطق، وهي التي وشت بهم!

بعد أن أذنتَ لي باللجوء في عليّة الخيال لأختبئ بي، ناديتني أن: “انزل واخرج فأنت في انتظارك”.

قل لي أنا ابن مَن؟ أأنا ابني أم ابنك؟ أأنا مني أم منك؟ كم بقي من ظلمات أطردها لأستحقّ بنوّتك؟

ظللت أطارد فتاةً في الليل حتى آخر الشارع، وحين التفتَتْ أذعرني وجهها الدميم وقالت: ماذا تريد؟ أنا العشرون! فقفزت في الثلاثين.

ليس الشعر شيئاً يعتدّ به مهما نفخ الشعراء من أرواحهم فيه، لأنه كلمات محشوّة كلماتٍ محشوّة أوهاماً، مع ذلك نحتاج إليه باستمرار، وتلك أهميته!

علّمتني الفرائس التي أصطادها أني فريستها؛ يخدعك ذكاؤك الخالي من حكمة.

حتى ولو كنت ستموت بعد لحظة، شعورك بأنك ستأكل العالَم يملؤك حتى التخمة.

كنت أمشي والناس أفواج، بعكسهم أمشي، وقد تملّكني خوف أن أكون على باطل. توقفت لحظة واستدرت وبمجرد أن بدأت أمشي معهم أيقنت أني كنت على حقّ.

نحن نسير دون توقف على سفينٍ كبير شبه أبديّ، يجري في بحر يسيل في كفّ الأبد الناظر فيه.

ما الذي يعينك على تكرار عمرك كلَّ يوم؟ نومك الذي هو بعضُ موت ثم بعض حلول وبعض بعث، حنكة تدبير لا مثيل لها. هذا أحد معاني “كل نفس ذائقة الموت”.

لو خطا شاعر خطوتين نحو الحقيقة لبطل عمله.. مع ذلك نتلقّف، نحن المتلقّين، الأوهام والأكاذيب بصدر رحب من شدّة ثقل الحقيقة.

متى يُنجز كل شيء؟ يكتمل العمل؟ تكتمل روحك؟ تنجز روايتك وتبني بيتك؟ تغادر أحلامك وتغتسل من أوهامك؟ وتثور كوحش على الهراء كلّه ثم تهدأ وتستبدل غضبك بالكتابة وطول الأناة؟ حينها ستنظر إلى ساعتك، قبل أن تجلس ولو لحظة لترتاح، ويكون وقت المغادرة قد حان!

يكاد العمر لا يكفي..

اترك تعليقاً

عبّر عن رأيك